نعم من حطم القيم الخلقية في مصر ؟
هذا عنوان الموضوع الذي قرائته في مجلة فهو فعلاً عنوان يحتاج الي نقاش
تعالوا معاً نقرأ عرض الكاتب للموضوع واجابته علي هذا السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصـحـبـه ومـن والاه، أما بعد.
فلأول مرة -فيما أعلم- يتبنى وزير مصرى شجاع- وهو فى سدة الحكم والسلطة -تقريرًا حكوميًا صادماً يؤكد غياب القيم الخلقية، وانعدام الثقة بالدولة، والاستسلام للفساد وغياب العدالة والضمير، بناء على دراسات علمية ميدانية كشفت انتهاء الإحساس بثقافة(أريد حقي) بعد تزاوج المال والسلطة.
إن هذا هو الذى أكدته صحيفة الجمهورية وجعلته العنوان الأوّل فى صفحتها الأولى يوم الأربعاء25/2/2009م، وقد كان المعهود لدى العامة أن حكوماتنا الرشيدة لا تعترف بخطأ فى ظل سياسـة ادعاء الكمال والتمام، فليس فى الإمكان أبدع مما كان، ونحن نحيى هذا التوجه نحو الاعتراف بالواقع وتشخيص الداء، وخاصة إذا كان متعلّقًا بالأخلاق والدين..
غير أن مجرد الاعتراف والتشخيص لا يعالج داء ولا يغير واقعًا.. ذلك أن كل داء له أسباب وعوامل أدت إلى ظهور آثاره على السطح حتى لمسها الناس ووصلت إلى المسئولين.. ولا مناص -إذا أردنا العلاج السليم- من القضاء على هذه العوامل حتى يبرأ الجسم من علله قبل أن يتناول الدواء والغذاء، فقديمًا قيل:"التخلية قبل التحلية" ولا يمكن القضاء على تلك الأسباب إلا بعد معرفتها وتحديدها بدقة ومهارة وحيادية.. ومن هنا نرى واجبًا على كل حريص على مصلحة الأمّة أن يدلى بدلوه فى الإشارة إلى منابع الفساد.. وقد تختلف الرؤى باختلاف العدسة والبؤرة والمعاناة الشخصية، غير أن تجميع تلك الأفكار فى منتهى الأهمية ليكون العلاج شاملاً.
على أن النظرة العميقة التى تدلف إلى أغوار النفس البشرية فتستخرج منها الدوافع والأهداف والضغوط والإحساس.. قد تكون ألزم وأهم وأخطر..
ومن هنا نحاول أن نكتشف ما دلف وتعمق -على مدى قرن وربع- فى داخل النفس المصرية... فغيّر بالتدريج ما تميزت به عبر آلاف السنين فنقول وبالله التوفيق:
استقامت الشخصية المصرية وتفاعلت مع الإسلام وقدمت نماذج رائعـة فى العلم والعزة والكرم والتقوى وحررت القدس وقضـت على التتار.. وأقامت فى مسجد عمرو بن العاص أوّل جامعة علمية تلاها الأزهر الذى مضى عليه11قـرنًا رائدًا للوسطية والفهم الصحيح للإسلام.
إن الدارس الواعى للشخصية المصرية منذ قدماء المصريين يدرك أن الوازع الدينى كان أقوى فى تسخير طاقات الفرد، وفى اكتسابه العزيمة على الإنجاز، وفى احترامه للقيم السلوكية التى يأمر بها الدين -أيًا كان هذا الدين- وفى ترابطه وتعاونه وتعاطفه وتكامله مع الآخرين مهما اختلفت الرغبات، وفى امتناعه عن التعدى على غيره وارتكاب ما يتنافى مع الذوق العام أو يغضب الإله خوفًا من يوم الحساب.
ولعل هذا الشعور الدينى كان أثرًا من آثار نبى أرسل إليهم كما يقول بعض الباحثين إن سيدنا إدريس عليه السلام قد بُعث فى مصر، وأنهم تغالوا فى احترامه حتى جعلوه إلها أطلقوا عليه أوزوريس.. ومن ينظر فيما كتبوه على آثارهم وما أنجزوه من أهرامات ومعابد يدرك تلك الحقيقة.
وقد وجدت النصرانية أرضًا خصبة لها فى مصر فى عهد الرومان بما دعت إليه من التسامح والمحبة والطاعة والفصل بين مالقيصر وما لله، لدرجة جعلتهم نهبًا للظلم والعسف إلى أن أنقذهم الإسلام.. وقد وجد الأقباط وتعنى الكلمة فى معناها الحقيقى سكان مصر أيًا كانت ديانتهم) فى الإسلام ما يوازن بين القيم والحقوق وبين التسامح والعدل، وبين العمل للدنيا والتمتع بخيراتها والعمل للآخرة للحصول على نعيمها.. وبين الخوف من الله والرجاء فى عفوه ورضاه.
واستقامت الشخصية المصرية، وتفاعلت مع الإسلام؛ وقدمت نماذج رائعة فى العلم والعزة والكرم والتقوى، وحررت القدس، وقضت على التتار، وأقامت فى مسجد عمرو بن العاص أوّل جامعة علمية تلاها الأزهر الذى مضى عليه أحد عشر قرنًا رائدًا للوسطية والفهم الصحيح للإسلام وتعاليمه واكتسب ثقة العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه.. وقاد النضال البطولى ضد المحتلين منذ الحملة الفرنسية على مصر سنة1798م مرورًا بالاحتلال البريطانى، وحاليًا الاستيطان اليهودى.. وأدرك المحتلون أن لا استقرار لهم ولا نصر على هذا الشعب مادامت روح الجهاد الدينى والاعتزاز بقيمه وأخلاقه والالتفاف حول القرآن الكريم وعلماء الأزهر كامنة فيه.. فلجأوا إلى سلاح آخر أكثر فتكًا وأيسر مؤونة وأسرع نفاذًا إلى أعماق النفس وغرائزها ورغباتها بما يسمى أحيانًا (القوة الناعمة) أو (الغزو الثقافي).. فبدأت بالتحكم فى التعليم ومناهجه، ثم بالإعلام ومفاسده، ثم بالإغراء بمعطيات الحضارة ومتعها وإشاعة الفكر المادى والأنانى الذى يهمش الدين فى التربية ويتهاون فى الغذاء الروحى الذى يربط بين سعى المرء في الدنيا والحساب عليه في الآخرة ووجدنا من ينصح الدعاة بألا يتحدثوا عن مصير الإنسان بعد الموت وحساب الملكين في القبر وما يلقاه الأنانى والعاق والمجرم من عذاب جهنم وبهذا ينفتح باب التنافس والسعار والجشع والطمع الذى وصل الآن إلى أن يقتل الولد أباه وأمه من أجل الحصول على المال، وإلى أن يقدم على الرشوة والاختلاس والنهب والتفنن فى التحايل على القانون.
واشترى المحتل عقولاً كثيرة وأعطاها أموالاً ومناصب ونفوذًا يمكنهم من التأثير.. وفى سبيل ذلك حرص المحتل وأعوانه على إلغاء درجات التربية الدينية فى المدارس وإهمالها فى الجامعات إذا ما استثنينا من ذلك الأزهر الشريف، وأشيع عنها أنها تصنع التطرف والإرهاب، وحورب الأزهر وهمّشت فيه المواد الدينية والعناية بالقرآن الكريم حفظًا ومعنى كما همشت اللغة العربيّة التى هى وعاء الوحي، وانفتح الباب على مصراعيه للغات الأجنبية وللأدعياء والمتطلعين لمكاسب دنيوية على حساب الدين، ومن يريد الشهرة بمبدأ خالف تعرف، ومن يطلق عليهم المفكرون الإسلاميون الذين لا ندرى من أين حصلوا على هذا اللقب؟! وفى مقابل الضحالة والجرأة على دين الله تعدى هؤلاء الأدعياء على ثوابت الوحى وقيم الإسلام.
أهم الأسباب التى أدت إلى النتيجة التى اعـــترف بها الوزيـــر الشجــاع تتلخـص فى مناهج التعليم والإعلام والثقافة الوافدة وتقليد الغرب وإهمال التدين الصحيــح وإضعاف الأزهر وتشجيع النفاق وغياب الهدف وتغييب الرقابة الإلـهية وتزاوج الثروة والسلطة.
وبدأ المعسكر المناوئ للدين يستورد من الغرب أنماطًا وقوانين ومواثيق يفرضها فرضًا على المجتمع المسلم مهما كانت مناقضة لمبادئه ووجدوا فى الأدعياء من يفتش فى الآراء الشاذة ومن يزيف النصوص ويلوى عنقها إرضاء لهذا التيار العلمانى التغريبي.
وساعده فى ذلك الإلحاح الإعلامى اليومى، بل واللحظى بوسائله المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية، قومية وعالمية، فى الفضائيات وفى شبكة المعلومات التى تشيع العرى والرقص الشرقى والغربى والغناء الماجن، وتفتح جميع أبواب الحرام وتعرقل طرق الحلال وتقتل فى النفس الأمل فى حياة تتسم بالأخلاق والعفاف.
ومما زاد الطين بلة ما أوحى به الغرب إلى حكام العرب أن شعوبهم تريد إقصاءهم والتمرد عليهم، ولابد من إحكام القبضة والتنكيل بمن يرفع رأسه أو يبدى رأيه كما لابد من التضييق عليهم اقتصاديًا حتى لا يفكروا فى المظالم والمفاسد، فقديمًا قالت العرب: "سمّن كلبك يأكلك، وجوّع كلبك يتبعك".. والحقيقة أن الشعوب تتمنى أن يسود الحب المتبادل بينها وبين حكامها.
ومن أجل ذلك قُرِّب أهل الثقة، وأُبعد أهل الكفاءة، واضطروا إلى الهجرة أو الاستكانة، وتقدم أهل الثراء ليجمعوا بين المال والجاه ونشطت حركة الاستيراد على حساب المنتج الوطنى والاكتفاء الذاتي وتحكم فى غذائنا وسلاحنا واقتصادنا أعدى أعدائنا، وفرحنا بإشادة دول الغرب –خداعاً- بسياستنا.
وكلما ابتعد شبابنا عن مصدر قوّتهم وقلدوا الغرب فى سلوكه ولغته كالوا لنا أساليب المدح والثناء، ونسى الشباب المسلم هدفه الأسمى الذى يجعله من خير أُمّة، وعاش لنفسه، وادعى أنه يسعى ليبنى مستقبله، وغابت عن الجميع عناصر الإيمان التى لا أمن ولا أمانة ولا إحساس بالرضا والسعادة وراحة البال إلا بها، قال تعالى(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).
إن شبابنا الآن يفتقد الهوية والهدف، ويضيع من قدمه الطريق ويخبط خبط عشواء، ويعيش فى ضياع وخواء، ويقلد كل ما عند الغرب من تفسخ فى العلاقات، وتسفل فى الأخلاق، وليته يقلده فى التقدم العلمى والتقنى والحضارى مع الاحتفاظ بقيمه ومبادئه ودينه... إذن لدانت له الدنيا ولعاش سعيدًا منعَّماً بل ولكان داعية حقيقيًا لهذا الدين العظيم.
وأخيرًا: هل استطعت الإفصاح عن أهم الأسباب التى أدت إلى النتيجة التى اعترف بها الوزير الشجاع، وقبله رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات؟ إنها تتلخص فى مناهج التعليم والإعلام والثقافة الوافدة وتقليد الغرب فى مجونه، وإهمال التدين الصحيح وإضعاف الأزهر وتشجيع النفاق وغياب الهدف، والسعار المادي، وتغييب الرقابة الإلهية، وتزاوج الثروة والسلطة، وتجريم الحلال وتشجيع الحرام.
إن خير ما يقال لطلاب المادة والدنيا المنغمسين فى ملاذها المحرمة ما قاله رب العزة (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء:77).
وما يقال للمفسدين والمجرمين ما قاله أحكم الحاكمين: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً) (الطلاق8-9). وما قاله (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59) نسأل الله أن يرفع مقته وغضبه فمازال المصلحون يؤدون واجبهم وقد وعد بأن لا ينزل عقوبته على الظالمين مادام فيهم مصلحون قال سبحانه (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117) صدق الله العظيم
منقول