من نظام التحسين إلي التقويم الشامل
15 عاما من التطوير.. والمحصلة صفر!
خلال15 عاما مضت, مرت الثانوية العامة بعمليات تطوير مختلفة, فقد تقرر في عام1994 تطبيق نظام التحسين ثم تم إلغاؤه بعد3 سنوات, وبعد ذلك أخذ وزراء التربية والتعليم ـ واحدا تلو الآخر ـ يطلقون التصريحات عن عمليات تطوير أخري في المناهج, وطرق التدريس, وأساليب تقويم الطلاب.. وأخيرا أعلن نظام جديد يعتمد علي التقويم الشامل, لكنه لا يزال مجرد سيناريوهات مقترحة لم يتم إقرارها حتي الآن.. ومضت السنوات.. وأفكار التطوير تطل علينا بين الحين والآخر.. لكن في النهاية.. المحصلة صفر!
نعود إلي عام1994 حيث تم تطبيق نظام التحسين في الثانوية العامة, وبعد3 سنوات تم التراجع عنه, وأصبحت الامتحانات علي مرحلتين, الأولي في الصف الثاني الثانوي, والمرحلة الثانية في الصف الثالث الثانوي.. وفي نوفمبر2002 صرح الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق بأن هناك اتجاها لأن يكون الانتظام في الحضور والأنشطة الطلابية ضمن نظام التقويم الجديد للثانوية العامة, وأن يكون هذا التقويم علي مدي السنوات الثلاث من التعليم الثانوي, وأن هناك اتجاها لإلغاء التقويم المعتمد علي امتحان الفرصة الواحدة.
وفي سبتمبر2004 صدرت تصريحات عن تعديل مناهج الثانوية العامة, وأن المناهج الجديدة دون حشو وتركز علي مهارات الفهم والتحليل, كما تقرر تشكيل لجنة حكماء لهذا الهدف. وأعلن د. أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم السابق أن الوزارة بدأت تطوير المناهج الخاصة بالمرحلة الثانوية لأول مرة منذ سنوات طويلة, ويشمل ذلك طرق التدريس, وتقويم الطلاب من خلال منهج عصري ومرن وغير معقد.. وفي نوفمبر2004 تحدثت تصريحات عن أن ملامح النظام الجديد للثانوية العامة تتضمن إلغاء نظام التشعيب القائم علي الأدبي والعلمي أو بين العلوم والرياضيات مع تحديد مجموعات للمواد المؤهلة مرتبطة بالكليات.
وفي اجتماع وزاري تم عقده في يناير2005 برئاسة د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء تقرر بحث زيادة المواد الاختيارية وتقليل عدد ساعات الدراسة إلي36 ساعة أسبوعيا, وخفض عدد المواد الدراسية التي تتم دراستها إلي11 مادة بدلا من17.
وفي نوفمبر2007 تحدثت تصريحات عن نظام جديد للثانوية العامة يعتمد علي تضييق الفجوة بين القسمين العلمي والأدبي, وتخصيص50% من المواد كمقررات مشتركة بين القسمين, مع إتاحة10% للمواد الاختيارية, والباقي كمواد تخصصية, وذلك مع حلول2011/2010 مع دمج مواد التعليم العام والفني, وتحديد مواد تخصصية مؤهلة للدراسة النوعية.
وفي شهر فبراير2008 تحدثت تصريحات أيضا عن دراسة تطبيق نظام الساعات المعتمدة ودراسة160 ساعة كشرط للحصول علي الثانوية العامة اعتبارا من2010.
وفي شهر أبريل من العام نفسه ترددت أنباء حول عقد امتحان واحد للثانوية العامة, واختبارات للقبول بالجامعات, واعتبار شهادة الثانوية مؤهلة لسوق العمل وصالحة للالتحاق بالكليات لمدة5 سنوات مع وجود منهج دراسي لكل منطقة جغرافية.
والمؤكد أن التصريحات السابقة توضح مدي التخبط بل والترنح الذي يعانيه نظام امتحانات الثانوية العامة, فالهدف هو التطوير, ولكن النتيجة الملموسة التي يشعر بها الطالب هي صفر.. فالحال هو الحال, وربما يزداد سوءا, وليس أدل علي ذلك من امتحانات الثانوية العامة في2008 والمستوي المتردي الذي وصلت إليه ما بين الصعوبة البالغة والأسئلة التعجيزية واصطدام الطلاب بأسئلة لم يتم تدريبهم عليها من قبل ووجود أسئلة من خارج المنهج, مما أدي إلي انتحار طالب وطالبة, فضلا عن مشكلات تسريب الامتحانات في محافظة المنيا وإحالة19 متهما في هذه القضية إلي المحاكم الجنائية.. ناهيك عن بيع الأسئلة والإجابات في الشوارع.. كانت تلك ـ مع الأسف ـ أحدث طبعة للثانوية العامة العام الماضي, بغض النظر عن كيفية تلافي هذه السلبيات في امتحانات هذا العام, فإذا كان هناك تطور مقترح يتوقع أن يبدأ تطبيقه علي الطلاب المقيدين بالصف الأول الثانوي في العام الدراسي2012/2011; فهل يحمل هذا النظام بين طياته أملا في الإنقاذ من الترهل الحالي؟.. الإجابة لدي الخبراء والمتخصصين.
مجرد سيناريو
د. محمد عبدالظاهر الطيب عضو المجلس القومي للتعليم بالمجالس الطبية المتخصصة والعميد السابق لكلية التربية جامعة طنطا يشير إلي أنه فيما يتعلق بالنظام الجديد المقترح, فإن الأمر لا يتعدي كونه سيناريوهات مطروحة ولا توجد حتي الآن صيغة نهائية لنظام الثانوية العامة الجديد قامت بإعلانها السلطة التشريعية باعتبارها السلطة التي تمتلك هذا الحق.. بل إنها المرة الأولي التي ينعقد فيها مؤتمر تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية, وهو مؤتمر تطوير التعليم الثانوي دون أن ينتهي إلي توصيات محددة!!
والمشكلة تكمن في أن هناك عيوبا جسيمة في النظام الحالي لن يحلها السيناريو المقترح الذي يتضمن فكرة التقويم الشامل فهذا النظام له اشتراطاته وأهمها أن يكون تراكميا وأن يكون بديلا عن الامتحانات, وهذا ما لا يطبق, بل إن ما يحدث في مدارسنا الآن ما هو إلا مسخ من هذا النظام.. والمشكلة في تطبيق التقويم الشامل في الثانوية العامة تكمن في أنه لا يدخل ضمن تقويم الطالب وإنما هو شرط لدخول الامتحان, أي أنه وسيلة لإلزام الطالب بالحضور إلي المدرسة( نظرا لغياب الدور التربوي للمدرسة).. ناهيك عن أن تطبيق التقويم الشامل يشترط وجود أعداد معينة في الفصل, ووجود أكثر من مدرس وإخصائي اجتماعي وآخر نفسي لكل عدد من التلاميذ, ويتطلب أيضا توافر أدوات العمل لهم, بمعني إجراء اختبارات ومعايير لقياس القدرات.. فهل يتوافر ذلك لدينا؟! الإجابة بالنفي المؤكد, فليس أدل علي ذلك من أنه توجد لدينا42800 مدرسة علي مستوي الجمهورية في التعليم العام قبل الجامعي لم تنجح منها سوي13 مدرسة فقط في الحصول علي شهادة الاعتماد والجودة, أي أننا نحتاج إلي100 عام تقريبا لكي تحصل مدارسنا علي هذه الشهادة, علما بأن هناك زيادة سنوية في أعداد المدارس.
معوقات ومشكلات
ويلفت د. شبل بدران عميد كلية التربية بجامعة الإسكندرية النظر إلي أنه منذ وجود شهادة البكالوريا أي منذ عام1906 والتعليم الثانوي محل جدل ورغبة في التطوير.. وكذلك فإن أحمد نجيب باشا الهلالي أعد أشهر تقرير عن تطوير التعليم الثانوي في الأربعينيات, وكأنه بذلك كان يتحدث عن المستقبل الذي نعيشه نحن الآن بالفعل, حيث يتناول جميع السلبيات القائمة في التعليم( أي بعد مرور60 عاما علي كتابة هذا التقرير), وهي الحفظ والتلقين وسوء طرق التدريس والمعارف الجامدة, وفي حقيقة الأمر فإننا حينما نقوم بتطوير التعليم بشكل عام والثانوي بشكل خاص, فإننا نستهدف بذلك إتاحته للراغبين, ولكن هل يحدث ذلك؟! بالقطع الإجابة بالنفي المؤكد, فما نلمسه هو الرغبة الجادة في تقليل أعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات كل عام.. فالأرقام تشير الآن إلي أن25% فقط من الشباب في المرحلة العمرية من18 إلي23 سنة هم الذين يلتحقون بالجامعات في مصر, وهي بالقطع نسبة ضئيلة للغاية إذا ما قارناها ببقية الدول الأخري في المنطقة العربية, بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن مصر هي أقل نسبة في هذا الصدد!!
منقول